خيانة روح


مجموعة قصصية
قصة من وحي صورة
(6)
قصــــــــــــيدة ” حزن يغتالني “
نـــــزار قباني

حزن يغتالني
وهم يقتلني
وظلم حبيب يعذّبني
آه! ما هذه الحياة
التي كلّها آلام لا تنتهي
وجروح لا تنبري
ودموع من العيون تجري
جرحت خدّي
أرّقت مضجعي
وسلبت نومي
آه يا قلبي
يا لك من صبور
على الحبيب لا تجور
رغم ظلمه الكثير
وجرحه الكبير
الذي لا يندمل ولا يزول
ما زلت تحبه
رغم كل الشّرور
ما زلت تعشقه
رغم الجور والفجور
ما زلت تحنّ إليه
رغم ما فيه من غرور
قلبي، ويحك قلبي
إلى متى، إلى متى؟؟
أخبرني بالله عليك إلى متى؟؟
هذا الصّبر
وهذا الجَلَد والتّحمل
إلى متى هذا السّهر والتّأمل؟
إلى متى هذه المعاناة والتّذلل؟
كُفَّ عن هذا، كُفّ
فاكره كما كرهت
واهجر ما هجرت
وعذّب كما عذّبت
واظلم كما ظلمت
واجرح كما جرحت
فلقد عانيت كثيراً
وصبرت كثيراً وكثيراً على حبيب لا يعرف
للحبّ معنى
أما آن لك يا قلبي أن توقف كل هذا؟
فبالله عليك يا قلبي
كُفّ!

” زوجك معي الآن .. أتريدين صورة لنا معاً “
” زوجك يغازلني .. ويمدح بجمالي ورشاقتي “
” لا تتساءلي لو وجدتي أحمر شفاه بمنديله ..
فهذا مني ..
عذرا منك .. فلم يتمالك نفسه حين رآني “
أغلقت الهاتف مع قراءتها للرسالة .. ولا تعلم ماذا
تفعل ..
تنهدت بتعب جالسة على الفراش .. لا تعلم ما الخطأ
الذي اقترفته
حتى ينظر زوجها لأخرى .. لا تتذكر أنها أهملت
طلباته يوما
ملابسه دوما نظيفة .. !!
فراشه دوما نظيف .. !!
طعامه مُعد كما يحب .. !!
علاقتهم اليومية .. أصبحت أشبه بالرتيبة ..
ما ينامون عليه..
يصبحون عليه .. هل ملّ زوجها وبحث عن الشغف
بغيرها
هل الخطأ بها فعلاً .. هل آمنت وجوده ..فتناسته مع
ضغوط الحياة
لا تدري ما عليها فعله .. وهل تواجهه بهذه الرسائل ..
وان أنكر؟! .. لن تقوى على تكذيبه .. ماذا بيدها
أن تفعله ..
هل تستسلم لهذه المعركة وتخرج خاسرة ..
فهو أولا وأخيرا
زوجها .. والد طفليها.. هل تتركه لها ..
ظلت هكذا تُحدث نفسها كثيرا حتى اهتدى
عقلها الي ..
” المحــــــــاربة من أجل بيتها وحبيبها “
نعم حبيبها ..لن تنكر أبدا حبها له .. فهو أول من له
دق لو قلبها ..
اذا ً .. ” فالحرب قائمة حتى تسترد ما هو حقها “

أعدت طعام جيد .. ونوع حلوى تعلم أنه يحبه ..
وأطعمت أولادها
وأخلدهم للنوم قبل مجيء
زوجها .. وعندما اطمأنت لنومهم ..
دخلت لغرفتها وأبدلت ملابسها ..بقميص نوم رقيق
بلون تعلم انه
يحبه .. وقامت بتعديل مظهرها قليلا ..أطلقت شعرها
..ووضعت
بعض اللمسات التجميلية .. وما هي سوى لحظات
ودخل صاحب
أفكارها .. استقبلته بابتسامة صافية ..
دخل بوجه مهموم .. هو يخون زوجته بمجرد ان تطلع
لامرأة أخرى .. ولكنها لا تهتم به ..وبرغباته
كرجل .. نعم هو فضّل
الاستسلام ولم يحاول.. ولكنها ” الست “
كما يقولون ..
واذا خرب البيت فهي السبب .. كان يحادث نفسه
بهذا .. ولكن انشقت ملامحه بابتسامة دهشة ..
وتعجب ..ولن ينكر .. سعادة !!
حين دخل البيت ووقع نظره على زوجته ..
اقترب منها مأخوذ .. فزوجته تقف بمظهر جذاب ..
وبلحظة نسى همومه وتعبه .. وقف أمامها ولا يفصله
عنها شيء .. رفع يده
يلمس خدها .. وهتف مأخوذ ..
” يسرا .. أنتِ جميلة للغاية “
يا الله .. لديها طفلين وتحمر خجلا منه … ابتسمت
بسعادة ورفعت كفيها وفردتهما على صدره ..
واقتربت بجرأة لم تكن تملكها ..
وطبعت قبلة رقيقة على جانب شفتيه ..
وهمست بنعومة ..
” اشتقت لكَ حبيبي “
ضيق ما بين حاجبيه .. لن ينكر أنه تفاجئ ..
ولكن المفاجأة سارة
بالفعل
.. اقترب منها أكثر واكثر .. واحتضن خصرها بكفيها ..
وهمس بكل شوقه لها ..
” وأنا اشتقت لكِ بجنون حبيبتي “
ومال اليها وطبع قبلاته التي تثبت أحقيته بها وبقلبها

مرت الأيام وهي على عهدها مع نفسها .. تهتم به
وتعطيه المساحة الكافية بين اهتماماتها ..
وهو لاحظ هذا .. وهي لاحظت أيضا
تواجده بكثافة في الفترة الأخيرة بالبيت ..
مر شهرين وهما على هذا الحال .. لا تنكر انه أيضا
يحاول ..
ولكنها أيضا لن تنكر رؤيته لرسائله بالصدفة
والكلام الدائر بينه وبين من ترسل لها رسائل ..
تمزق قلبها رؤيتها لكلامه .. وبكت في يومها هذا
وكأنها لم تبك قبلا .. وحين جاء الليل وحضر
زوجها بموعده لم تُظهر شيئا له ..
بل كانت كعادتها منذ شهرين تستقبله بالمظهر
الحسن .. والرائحة
الطيبة .. استفاقت تنظر للهاتف بيدها بعيون دامعة
” اليوم عقد قراننا .. لا تنسي أن تباركي له قبل أن
يخرج ليلا .. وليكن بعلمك ..سيخبرك أنه ذاهب
لفرح صديق له .. هنيئا لي به “
وضعت الهاتف على الطاولة الصغيرة بجوار الفراش ..
ودخلت اطمأنت على أولادها بغرفتهم .. وحين
خرجت من غرفتهما ..
وجدت زوجها يدخل حاملا بيده حافظة مخصصة
لحماية البذلة الرجالي .. نظرت لها ونظرت له …
لقد جاء مبكرا كثيرا عن موعد عودته …
بلعت ريقها بصعوبة .. حاولت أن تبدو متماسكة
واقتربت منه بابتسامتها المرتعشة .. طبعت قبلة على
خده بتأني تنعم دفئه الذي سيشاركها به أخري بعد
ساعات .. ابتعدت عنه
وجاهدت أن لا تذرف دموعها ..
” لقد عدت باكرا إياد “
نظر لها .. يشعر بالخزي من نفسه .. رغم تبدل حال
زوجته للأحسن .. وهو أيضا أدرك خطأه تجاهها ..
لقد تعلم أن بناء البيت
وإنجاحه مسؤوليتهما ..وليس الزوجة فقط
ورغم خطأه هذا الا أنه لم يعترف به .. وأكمل
تورطه مع زميلته بالعمل التي من
المفترض عقد قرانه عليها الليلة .. أجابها ..
” نعم .. عدت .. أمامي عدة ساعات وسأخرج ثانية “
” وما هذا حبيبي ؟! “
قالتها مشيرة لحافظة البذلة .. فرفعها قليلا وتحدث
” بدلة .. لقد اشتريتها لي .. سأحضر بها عرس صديق
لي “
حسنا .. فلم تكذب الأخرى … ابتسمت له وهتفت
بهدوء عكس ما يُعتمل بصدرها .. تلامس خده
بأطراف أصابعها ..
” ستبدو رائعا بها حبيبي .. مبارك لك “
وطبعت قبلة خفيفة على شفتيه .. وابتعدت عنه
..تعد له الطعام ..
وتنبه طفليها ألا يغادرا غرفتيهما .. وحين أخبروها
بوجوب وجودها لإتمام مهامهم الدراسية ..أخبرتهم
أنها ستكون معهما بعد مغادرة والدهما ..
وعادت لزوجها ..تجالسه .. ولم تمنع نفسها من
الاقتراب منه والتودد اليه .. واعطائه روحها .. روحها التي ستموت وجعا بعد ساعات
وهو قابل اعطائها بعطاء أكبر وكأنه بهذا يعتذر
لها ..

بعد وقت .. يقف أمام مرآته يرتدي بذلته السوداء ..
من يراه يقسم أنه العريس .. كانت تراقبه من خارج
الغرفة ..وقلبها يتمزق ألما
ترى تجهمه .. وعبوسه .. ترى تعاقب المشاعر على
وجهه
نحت مشاعرها جانبا .. ودخلت تتصنع ابتسامة ..
هتفت
” تبارك الله حبيبي .. من يراك يظنك العريس”
نظر لها بشك .. نعم فالمخطئ يظن نفسه مكشوفا
للجميع .
رأت نظرته .. وعلمت معناها جيدا .. اقتربت منه
بدلال أصبح
يلازمها مؤخرا .. وقالت بنعومة قصدتها ..
” هيا حبيبي ..لأجهزك للعرس “
ظل ينظر لها ويتساءل ..هل تعلم .. أم لا ؟!
كانت تتمم على هندامه .. ورابطة عنقه ..
وسترة البذلة .. وكل شيء حتى العطر الذي وضعه
هي من قامت بوضعه له
وقبل أن يغادر .. ودعته قائلة بألم لم تمنعه
” مبارك حبيبي “

كانت تتمزق .. روحها تُقتلع منها .. انتهي ..
بالتأكيد أصبح هناك من تشاركها به الآن ..
جلست تدرس لأطفالها
و عينيها تذرف دمعا سخيا وحين سألها بكرها
” لماذا تبكي ماما ؟! “
أخبرته ..
” هناك ما يؤلمني حبيبي “
انتفضوا جميعا على صوت باب الشقة يُفتح ..
ويطل سبب ألمها
بهيئته التي غادر بها ..ولكن هناك ما تغير ..
ملامحه .. مشرقة .. وكأنها عادت للحياة
نظرت له بدهشة لم تسيطر عليها ..
دخل فاتحا ذراعيه لطفليه اللذان استجابا لحضن والدهما ..
استقامت هي الأخرى .. لا تعلم ماذا تفعل .. ولا تعلم
لماذا هو هنا
كان ينظر لها .. ولم تتزحزح عينه عنها من وقت
دخوله
استقام .. يقترب منها بسعادة .. فلم يقوى على إتمام
زيجته الثانية وهدم بيته .. وكسر قلب حبيبته
الأولى والأخيرة .. وهرب من عروسه في اللحظة
الأخيرة .. تقدم من زوجته وحبيبته .. وقف
أمامها .. ولم بقل شيء .. رفع إحدى يديها لفمه وقبلها
بحب ..
ومازال العينين متشابكتين ..
وهناك الكثير يريد قوله .. وفعله بالتأكيد ..
ولذلك لم يجد بد من
جذبها ورائه لغرفتهما ..
وفي طريقهما .. نادى عليه طفله الأكبر
” بابا “
” نعم حبيبي “
” ماما كانت تبكي .. هناك ما يؤلمها “
استدار ينظر لطفله بتمعن .. وكم شعر بالندم ..
نظر لها نظرة
حملت كل أسفه .. وقال بصوت أجش .. مكملا سيره
لغرفتهما
” لا تقلق حبيبي .. سأداوي كل ما يؤلمها “


إرسال تعليق

0 تعليقات