رواية أمل


بمركز شهير للخصوبة وأمراض الذكورة
جلس ذلك الشاب مترقبا، يحاول أن يشغل نفسه بمراقبة المتواجدين؛ لعل ذلك يهدأ من روعه، وينتشله من قلقه، يرى بوجوه الجميع نفس الترقب، قد يكون أحيانا مختلطا بالتوتر أو الإرهاق أو الإحباط، أما هو فترقبه فريد من نوعه ، ترقب مختلط بالأمل حتى بعد أن علم من مركز التحليل بسلبية النتيجة قبل أن يأتي بها إلى هنا، فتح الباب وخرج من كان بالداخل، فتطلع بوجهه باهتمام ؛ ليقوم وحده هذه المرة بما اعتاداه سويا، فإن كان وجه من خرج مستبشرا دعا له بدوام النعمة واكتمال الأمر الذي أسعده على أكمل وجه، أما لو كان مكفهرا، دعا له بزوال الهم وفك الكرب وأن يرزقه الله الرضا، أنتزعه من أفكاره صوت سكرتير المركز وهو ينادي أسمه بصوته الجهور.
ـ السكرتير: أستاذ محمد عبد الله.
ـ محمد بهدوء: نعم.
ـ السكرتير: تفضل الطبيب بانتظارك.
ابتسم له بود وهو يتجه لباب غرفة الطبيب الذي حياه بارتباك وهو يدعوه للجلوس، فجلس ليسمع صوت الطبيب المشفق وهو يقول: أنا أسف أستاذ محمد، لقد أخبرتك قبل إجراء المحاولة بصعوبة الحالة، و أن الأمل ضعيف، ولكنك أصررت على تكرار الأمر، وأنت تجزم على وجود الأمل، ولكن للأسف، فالنتيجة سلبية أيضا هذه المرة، وأنا أشفق عليك من المال المهدور والجهد المبذول كل عام، لذا فلتكن تلك محاولتك الأخيرة، فكما أخبرتك سابقا، لا أمل.
ـ محمد بابتسامة وصوت مختنق: لدي أمل، أراك العام القادم سيدي بنفس الميعاد لإجراء محاولة جديدة، وشكرا لك فأنا أعلم أنك قد بذلت أقصى جهدك ككل مرة.
أنصرف بهدوء ونظرات تعجب طبيبه تلاحقه ككل مرة، مضى بطريقه المعتاد، وهو حريص على فعل ما اعتاداه معا، صحيح أنه من رفض حضورها معه بشدة خوفا عليها من تدهور حالتها الصحية نظرا لنزلة البرد الشديدة التي إصاباتها بذلك البرد القارص، ولكنه رأى أن إتباع روتينهما ليعوض افتقاده لصحبتها له في هذه الرحلة السنوية المعتادة، لذا فقد سار يتفحص المارين، وكلما وجد طفلا يسير وحيد دعا له بالحفظ والعودة سالما لأهله، وكلما رأي أسرة تسير بصحبة أبناءهم دعا لهم ببر الأبناء ودوام النعمة، وصل للمتجر الذي اعتاد ابتياع احتياجاته منه، فاشترى لها حلوها المفضلة، وتوجه لمنزله ليروي شوقه لها ويعوض افتقاده لصحبتها، وقف بصحن المنزل يناديها بشوق.
ـ محمد بلهفة: أمل، أمل.
ـ أمل بحب: حمدا لله على سلامتك محمد، أخفض صوتك ستوقظ آمال، ما أخبارك حبيبي.
عرف أنها قرأت ملامحه كعادتها وعرفت بسلبية النتيجة ولكنها تسأل ليتكلم لعلها تخفف عنه بعض آلامه فأجابها ببساطة: المعتاد حبيبتي.
ـ أمل بشقاوة وهي تبتسم: المعتاد كله؟ دعوت للمرضى وللأسر والأطفال.
ـ محمد بابتسامة: كله حبيبتي، لم ينقصني سوا وجودك معي.
ـ أمل بهلع مزيف وهي تفحص الحلوى: لا ليس كله حبيبي، أين المثلجات، الم تعتاد أن تجلب لي كل حلوي المفضلة بما أني ما زلت طفلتك الوحيدة.
ـ محمد ضاحكا: ماذا، طفلتي الوحيدة، وآمال التي تكادي تكممينني من أجل ألا أوقظها من تكون.
ـ أمل بدلال طفولي: لا شأن لي، وقت الحلوى أنا طفلتك الوحيدة ولو رزقنا بعشرة أطفال.
ـ محمد بحنان: بالتأكيد حبيبتي، ولكن لا مثلجات حتى تشفي تماما.
ـ أمل باستسلام: حسنا ولكن لا تنسى حين أشفى.
ـ محمد بحب: كما تأمرين حبيبتي [ بتلعثم] الطبيب أخبرني بأنه لا أمل، وأن كل تلك المحاولات ما هي ألا مال مهدور وجهد مبذول بلا طائل.
ـ أمل باستياء: وهل طبيبك هذا أطلع على الأرزاق.
ـ محمد بإحباط: لا، ولكنه يطلب منا أن نفكر بواقعية.
ـ أمل ببساطة: أنا لست حالمة محمد، أنا ساعية، أسعى بكل درب وفقني الله له، وأرضى بنصيبي منه، سعيت لأقنعك بأن نكفل آمال، وها نحن نتمتع بمشاعر حرمنا منها قبلا، وأيضا نأجر بكفل يتيم، وهذا درب يسره الله لي ورضيت كل الرضا بما لاقيته به، وأدخر كل راتب المبلغ الذي يمكنا كل عام من أجراء المحاولة، ولن أتوقف عن السير بهذا الدرب إلا إذا لم أستطع الإدخار، أو بلغت الأربعين، لأني أعلم أنك وقتها ستضحي من أجلي وتكف عن المحاولة لخطورة الحمل بهذا السن.
نفض عنه أحباطه وتجدد الأمل بداخله، وهو يتسائل مما خلقت تلك المرأة وكيف استطاعت بلحظات أن تحول عجزه على أن يهبها طفلا، لتضحية منه خوفا عليها، ولكنها على حق، فالطبيب مخطئ بالتأكيد، فكيف لا يكون لديه أمل، ولديه أمل وآمال.
*****************
بعد مرور بضعة شهور
تصعد أمل ومحمد الدرج وهما يداعبان أمال بسعادة، وقبل دلوفهم لشقتهم، فتح باب الشقة المجاورة، لتخرج منه أمرأة حامل توترت بشدة لرؤيتهم، وحاولت التراجع لشقتها، ولكنهم كانوا قد وصلوا اليها فعلا، فدلف محمد بصحبة أمال لشقته وبقيت أمل لتحيتها وتبادل الحوار.
ـ أمل بود: كيف حالك نورا، لم أرك منذ وقت طويل.
ـ نورا بضيق: أرقد معظم الوقت، فصحتي متدانية، ونصحني الطبيب بعدم الحركة، فحملي في خطر.
ـ أمل بحزن: لا حول ولا قوة الا بالله شفاكي الله وعافكي حبيبتي، ورزقك الذرية الصالحة.
ـ نورا بسرعة: فليرزقني الولد حتى لو قبض روحي بعد رؤيته بساعات.
ـ أمل بحزن: لا حول ولا قوة الا بالله، لم هذا الكلام حبيبتي، فليديمك الله عونا لبناتك ويبارك لك بهن، ويرزقك ما تتمنين، فظني بالله خيرا؛ فهو عند ظنك به.
ـ نورا بضيق: فليزقني الولد ولسوف أسجد له شاكرة ما تبقي لي من عمر، فلتسمحي لي فقد اجهدني الوقوف معك، وكنت بطريقي للطبيب.
ـ أمل بحنان: أسفة حبيبتي، أذهبي بحفظ الله، وأن احتاجتي لأي مساعدة، لا تترددي لحظة بطلبها مني، وليتك تبعثين بالفتيات للعب مع أمال من وقت لأخر؛ لتنعمين بالهدوء والراحة لبعض الوقت لعل حالتك تستقر أكثر.
ـ نورا بحدة وهي تتخاطها للنزول: لن تلعب بناتي مع خريجة دار الرعاية.
*****************
دلفت أمل لشقتها بوجه حزين، فاحتواها محمد بين ذراعيه مواسيا.
ـ محمد بحنان: لا تبالي بها حبيبتي، تعلمين سلاطة لسانها [بعتاب] لم يكن عليك الوقوف لتحيتها، عندما رأيتي استياءها لرؤيتنا.
ـ أمل بتأثر: لم أحزن لنفسي محمد، حزنت لإذدراءها لأمال، ومعايرتها بمكوثها بأحد دور الرعاية رغم أنها من تركتها لتودع به، وتقلصت ملامحها وهي تسترجع جمود نورا حينها أمام توسلاتها .
ـ أمل بتوسل: أرجوك نورا، أنها يتيمة.
ـ نورا بحنق: وما شأني أنا، أكنت قائد السيارة التي صدمت سيارة والديها.
ـ أمل باستعطاف: لا طبعا حبيبتي، ولكن ترفقي بها، كانت والدتها جارتك وكنتما صديقتين مقربتين، حتى أن ابنتها كانت لديك وقت الحادث، فكيف تدعينها تذهب لتعيش باحد دور الرعاية الأن.
ـ نورا بحدة: كانت لدي بصفة أمانة لبضعة ساعات حتى يعودا من عيادة الطبيب، وها هما لم يعودا ولن يعودا،فهل يعني ذلك أن ابتلى بها طوال عمري.
ـ أمل بتوسل: فلتبقيها لديك لبضعة أيام أخرى فقط، لنحاول ثانية التواصل مع أي من أسرة والديها لكفالتها.
ـ نورا بغضب: لم يرضى أي منهم بتحمل مسئولياتها، فلم اتحملها أنا، راتب زوجي لا يكفي الأنفاق على أسرتي، حتى أجعل غريبة تتقاسمه معنا.
ـ أمل برجاء: سأكفلها أنا ماليا أذا ولتبقيها ببيتك.
ـ نورا بحنق: ولما لا تأخذينها أنت؛ فعلى الأقل لا ابناء لديك.
ـ أمل بحزن: ليته كان ينفع، لما ترددت لحظة، ولكنك تسرعتي وسلمتيها لمركز الشرطة، والأن لاستراجاعها يجب أن أطلب كفالتها رسميا، وهذا يعني أن تظل بمنزلي حتى تكبر في وجود زوجي الذي يحل لها وهذا لا يجوز شرعا، بينما أنت قد قمتي بارضاعها طوال أسبوع منذ الحادثة، وهكذا قد صارت من محارم زوجك؛ ولا بأس من تواجدهما معا مستقبلا.
ـ نورا بضيق: يجوز أو لا يجوز، لن تعود تلك المشئومة لي أبدا، يوم أن عرفت أمها بحملها بها عرفت أنا من طبيبتي أنني أحمل فتاة للمرة الثالثة، وبعد ولادتها باسبوعين مات والديها في طريقهما للاطمئنان على جرح ولادتها، فكيف تريدين مني أن أبقيها معي طوال العمر، لو كانت صبي لربما فكرت بالأمر ولكنها فتاة فهل تنقصني الفتايات لأكفل تلك البومة.
سحبتها أيدي زوجها الحنون من الذكرى الاليمة
وهو يمسح دموعها التي انهمرت من عينيها دون أن تشعر.
ـ محمد بحب: لما البكاء أملي، وقد من الله علينا وعلى أمال بفضله، لنعلم بحمل شقيقتي نجلاء بأقل من شهر من تاريخ إيداع أمال بالدار، فتسرعين بكفالتها ، وتجعلين شقيقتي ترضعها بعد ولادتها لأصبح خالها بالرضاع ونكفلها دون أي تجاوز لشرع الله.
ـ أمل بخفوت: أبكي قسوة القلوب وجحود النعمة حبيبي، خائفة عليها من حلمها بالولد الذي أصبح هاجسها الأول والأخير، حتى أني أسمعها تعنف بناتها لأنهن جئن ايناث، وكأن الأمر بايديهن ، أو كأنه خطأ استحققن عليه العقاب.
*****************
بعد مرور شهرين
ـ أمل بحزن: لاحول ولا قوة الا بالله، أنا لله وأنا له لراجعون، أهدأ حبيبي أنه قضاء الله، وسيكتب لهما كل الخير بإذن الله.
ـ محمد بتأثر: ونعم بالله حبيبتي، ولكن قلبي يكاد ينفطر من أجل الطفلين، تخيلي أن عمهما بنفسه من جاء بهما للمسجد أثناء صلاة الجنازة، ووقف يعرضهما على المصلين، لأن زوجته ترفض اقامتهما معهم.
ـ أمل بتأثر: لاحول ولا قوة الا بالله، ماذا حدث للناس لتقسو قلوبهم هكذا، وماذا قد يكون فعلاه الصغيران لتكرههما بهذا الشكل.
ـ محمد بضيق: ما فهمته من عمهما، أن أخوه قد مات وترك زوجته الصغيرة وبعد موته اكتشفت الأرملة حملها، وحين وضعت تؤام فتاة وصبي أشار عليه والده التزوج من أرملة أخيه ليكفل الطفلين ولكن زوجته ثارت وتوعدت الجميع أن حدث هذا الأمر، كما أن زوجة أخيه رفضت هذا الأقتراح ايضا ليغلق نهائيا، وبالأمس بعد عام من هذا الأمر ماتت أرملة أخيه فاجأة ولم يصبح للطفلين سواه، خاصة بعد موت أبيه من عدة أشهر، وعندما علمت زوجته بنيته بجلب الطفلين للعيش معهم، اتهمته بالندم لعدم زواجه من الراحلة، وأنه يود كفالة ولديها حبا لها واكراما لذكراها، وخيرته بين ابناءه وأبناء أخيه، لذا فقد أتى بهما أثناء صلاة الجنازة على أمهما، يعرض كفالتهما على المتواجدين بالمسجد، وعندما لم يجد من يقبل بهذا الأمر تركهما أمام باب المسجد ورحل، فاضطر خادم المسجد لأستاضفتهما، ولكنه رجل فقير وغير متزوج ولا أظن أنه سيتحمل الأمر كثيرا ومن المؤكد أنه سيسلمهما لمركز الشرطة لتودعهما أحد مراكز الرعاية.
ـ أمل بتأثر: ولما لم تأتي بهما لهنا.
ـ محمد بحزن: حبيبتي لم أشأ أن أعرض حلا مؤقتا؛ وفضلت أن أتركهما لعلهما يجدا من يتكفلهما بشكل دائم.
ـ أمل بحماسة: ولما لا نتكفلهما نحن بشكل دائم فأنت تعرف بأن لبنى شقيقتي ترضع ويمكنها أرضاع الصغير وأصبح خالته بالرضاع، ليحل له البقاء معنا عندما يكبر، كما حل لأمال البقاء معك.
ـ محمد برفض: وماذا عن أمال كيف ستمكث معه بمنزل واحد وهما يحلا لبعضهما، وماذا عن شقيقته وكيف سنحلل أقامتها معي وليس لي أختا ترضع الأن.
ـ أمل بحزن: أسفة، لشدة تأثري بقصتهما لم أنتبه لتلك الأمور.
ـ محمد بحنان: لا بأس حبيبتي، أعلم بأن الله لن يضيعهما، عندي شعور بذلك، لدي أمل.
*****************
بعد شهرين بشقة محمد
ـ أمل بسعادة: مرحبا حبيبي، اشتقت اليك كثيرا.
ـ محمد بحب: وأنا أيضا أملي، ما بك أرى لمعة عينيك، وأشعر أن وراءهما خيرا.
ـ أمل بسعادة: أكثر مما تتخيل، نجلاء شقيقتك حامل، رغم كل ما أتخاذته من احتياطات، الا أن قدر الله لا رد له.
ـ محمد بابتسامة: مبارك لها، فليبارك الله لها فيما رزقها.
ـ أمل بحماس: ومبارك لنا ايضا رزقنا بحملها وليبارك لنا فيه.
ـ محمد بدهشة: وما شأننا نحن بحملها.
ـ أمل ضاحكة: الكثير، ولكن أجلس لأوضح لك الأمر، هل تتذكر التوأمان بالمسجد.
ـ محمد بتأثر: نعم بالطبع، وهل هذا شئ ينسى.
ـ أمل بحماس: وهل تعلم أنه بحمل نجلاء، أصبح من الممكن أن نكفلهما.
ـ محمد بحيرة: وكيف ذلك؟
ـ أمل بحماسة: سنكفل الطفلين الأن وسأجعل شقيقتي ترضعهما ولن يكونا تجاوزا العامين حين تضع نجلاء حملها بخير بأذن الله، وبما انهما سيكون بسن الرضاع الشرعي حتي لو كانا قاربا على انتهاءه, فسيكون ارضاع نجلاء لهما كفيلا بالتحريم المترتب عن الرضاع.
ـ محمد بفهم: وبارضاع شقيقتك للصبي، يحرم عليك.
ـ أمل مكملة بسعادة: وبارضاع شقيقتك للفتاة، حرمت عليك أنت، وبارضاعها للصبي أيضا حرمت عليه أمال لتصبح شقيقته بالرضاع فهي قد سبق ورضعت من نجلاء.
ـ محمد بتردد: ولكني لا أعرف مصيرهما، فالمسجد الذى رأيتهما به ليس المسجد الذي أصلي به يوميا، بل مسجد بعيد دخلته أثناء ذهابي لقضاء أمرا ما.
ـ أمل بابتسامة: فلتذهب لهناك أذا، وليكتب الله لنا الخير، فقد يكونا من نصيبنا، لدي أمل.
*****************
بعد مرور بضعة شهور
تصعد أمل الدرج لتقابل نورا وهي تنزل باجهاد.
ـ أمل بود: كيف حالك نورا، لم أرك منذ وقت طويل.
ـ نورا بضيق: أفضل أن تناديني بأم يوسف، يا أمل.
ـ أمل بحرج: أسفة، لم أقصد مضايقتك، أناديكي كما أعتدت دائما، وكما تناديني أنت بأسمي.
ـ نورا متهكمة: وكيف تريدين مني أن أناديكي، هل تطمعين أن أناديكي بأم أحمد بعدما جئتي به من حيث لا نعلم هو وشقيقته أماني.
ـ أمل وهي تحبس دموعها: لا أطمع بشئ نورا، سوى الجزاء من الله بحسن رعايتي لهؤلاء الأيتام، الذين أصبحوا بمنزلة أبنائي.
ـ نورا متهكمة وهي تتخطاها: المربي بغير ولده، كالباني بغير أرضه.
*****************
بعد مرور عدة سنوات
يخرج محمد وأمل متشابكي الأيدي من مركز الخصوبة وأمراض الذكورة.
ـ أمل بابتسامة: أكثر ما يحزنني أن هذه أخر مرة ستشتري لي تلك الكمية الضخمة من الحلوى عند خروجنا من هنا بميعادنا السنوي.
ـ محمد بحب: لا حبيتي، فهذا اليوم بمثابة عيد الأمل بالنسبة لي وسنحتفل به كل عام وأشتري لك كل ما تشتهين من حلوى.
ـ أمل بدلال: ألن تقول لي أنني قد كبرت على هذه الأشياء ببلوغي الأربعين، وأن من هم بسني يجب أن يراعوا ما يتناولون؛ ليتجنبوا أمراض الشيخوخة.
ـ محمد بحب: أي شيخوخة تلك التي تجرؤ على أن تقرب طفلتي المدللة، أنك تزدادين جمالا وشباب بكل يوم يمضي من عمرك حبيبتي.
ـ أمل بخجل: أدام الله لي حبك ورضاك حبيبي، وأسعد قلبك كما تسعدني بكلماتك دائما.
ـ محمد مشاكسا: أكثر ما يسعدني حاليا، أنك ستتوقفين عن الأدخار السنوي أخيرا.
ـ أمل ضاحكة: يؤسفني أن أحطم سعادتك زوجي الحبيب، فلن أتوقف عن الأدخار السنوي أبدا ولكننا منذ الأن سنستخدمه للقيام بالعمرة وزيارة بيت الله الحرام.
ـ محمد زافر بقوة: يالله، ماذا فعلت من خير بحياتي، حتى يكافأني الله بزوجة مثلك، لن أخسر شئ حبيبتي لو توقف العالم الأن وأنا هكذا ناظرا لعينيك ممسكا بيدك
ـ أمل مشاكسة: كم أود أن نبقى هكذا، ولكن قبيلتنا الصغيرة على وشك العودة من المدرسة ويجب أن نسرع فقد يلتهموننا أن لم يجدوا الطعام حين عودتهم.
ـ محمد بحب: أدامك الله لي حبك وقربك حبيبتي، وبارك لنا فيهم ورزقنا برهم ووفقهم وسدد خطاهم, كلما أرى رزق الله لنا اتعجب من يأس بعض الناس من رحمة الله, تتذكرين حين زواجنا ومداعبتي لك بأننا سننجب امبراطورية حرف الألف على اسمك حبيبتي, قبل أن أعلم بعدم قدرتي على الإنجاب, وبعد كل هذا حقق الله لي رجائي بغير حول مني ولا قوة, ورزقنا بثلاث ابناء تبدأ أسماءهم بحرف الألف رغم اننا لسنا من قام بتسميتهم, فالحمد لله الذي وهبنا اليقين بقدرته والطمع بفضله والأمل بعطائه.
*****************
بعد مرور عدة سنوات بمنزل محمد
ـ أمل بحب: هل تناولت دواءك حبيبي.
ـ محمد ضاحكا: وهلا أجرؤ الا أفعل، لدي طبيبتين كلا منهما، تتصل بموعده وكأنما يتسابقا على تذكيري.
ـ أمل بحب: يخشيان عليك، فلما تتزمر الأن من تسابقهما وقد كنت بقمة سعادتك وهما يتسابقا على من منهما ستلد أولا لتسمي المولود بأسمك.
ـ محمد ممازحا: لا أتذمر من اهتمامهما، ولكن ما يضايقني أنهما هكذا يحرماني متعه الدلال عليك ، وأنت تنبهيني لأخذه.
ـ أمل بحب: وما المانع ، فليذكركا هما وأدللك أنا..
قطع حديثها صوت هاتفها يعلن عن قدوم مهاتفة
ـ أمل بحنان: وعليكم السلام ورحمة الله.. نعم حبيبي.. الا يمكن تأجيل الأمر حتى نعود من السفر.. حسنا كما تريد.. نعم سأخبره..قد أخذه هل تظن أن شقيقتيك ستتركانه دون أخذه، قبل أحفادي حتى أراهم، بلغ سلامي لزوجتك الحبيبة.
ـ محمد بغيرة: الم أخبرك الا تنادي غيري بحبيبي، فلما تقولينها لأبنك المدلل الأن.
ـ أمل ضاحكة: أصبح مدللي أنا الأن، وأليس مدللك أنت أيضا.
ـ محمد بحب، أدلله بكل شئ، الا حقي بكلمة حبيبي منك أملي، ماذا كان يريد الأن.
ـ أمل بتوتر: انتهى من اللامسات الأخيرة للعقار الذي سننتقل له جميعا، ويريد منا الذهاب لرؤيته، حاولت تأجيل الأمر حتى نعود من السفر، ولكنه أخبرني أنه قد رتب مع شقيقتيه انتقالهم أثناء سفرنا وأن نعود من الحج للسكن معهم بشقتنا هناك.
ـ محمد بحنان: أعلم أنك من البداية لستي متحمسة لتك الخطوة [مشاكسا] سأخبره بأنك لا تثقي بقدراته كمهندس.
ـ أمل بتردد: لا أعلم محمد، بالطبع أنا متحمسة أن أجتمع وابنائي بمنزل واحد من جديد، وأن أرى أحفادي كل يوم، ولكنني لا أقوى على فراق ذلك المنزل بكل ما فيه من ذكريات لأجمل سنين عمري، كم أن هناك نورا أيضا.
ـ محمد بضيق: وما لنا ونورا تلك.
ـ أمل باهتمام: أنت تعلم أنه منذ تركها يوسف بعد أن تجرأ وضربها لمشاجرتها مع زوجته ولم يعد لها أحد سواي، خاصة وقد حاولت أصلاح ما بينها وبين بناتها، ولكن أبين ثلاثتهن، مرددين بأن ما حدث لها من شقيقهن متوقع بعد مباركتها لطرده لهن وأزواجهن من منزل أباهن بعد مساعدتها له في الإستيلاء على ميراثهن.
ـ محمد بضيق: وماذا أستفادت من اهتمامك بها، هل رجعت عن غيها، هل ندمت، بالطبع لا، مازالت تضايقكي حتى الأن, تتهمك بادعاء المثالية بمساعدتها بينما أنت شامتة بها، تضايق ابناءنا كلما رأتهم، تهزأ منهم كلما نادونا بأبي وأمي مذكرة إياهم بأننا مجرد كافلين لهم، دعيها تنال ما تستحق أمل، لتصطلي بنار وحدتها ونفور الجميع منها، دعينا نذهب بقرب أبناءنا أحتاج لهذا بشدة.
ـ أمل بابتسامة حنون: وهل جننت أنا، لمنع عن حبيبي شئ يحتاجه، لنذهب حبيبي، وليهدها الله ويصلح أمرها.
ـ محمد بابتسامة: شكرا لك حبيبتي، أتوق فعلا للعيش هناك، أشعر بأنه ينتظرنا الكثير من السعادة لنعيشها سويا، لدي أمل.
*****************

إرسال تعليق

0 تعليقات